عبد النبى دسوقى مشرف المنتدى الاسلامى
عدد الرسائل : 213 تاريخ التسجيل : 23/04/2008
| موضوع: الابتداع فى الدين ورجاءا ان لا تفتى فى الدين بغير علم ومن غير قال الله ورسوله الثلاثاء مايو 27, 2008 6:26 am | |
| بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالبدعة عبارة عن التعدي في الأحكام والتهاون في السنن، واتباع الآراء والأهواء وترك الاتباع والاقتداء، أو هي كما قال الشاطبي: طريقة في الدين مخترعة تُضاهي الشرعية. يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، وقد وردت النصوص بذمها، فعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته .. الحديث، وفيه يقول: «أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» رواه مسلم.
وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسُنّة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم.
فالإبتداع في الدين ضلالة، وهو من أعظم أسباب حبوط الأعمال، ويشمل ذلك المبتدع ومتبع المبتدع؛ ففي الحديث: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وصاحب البدعة ممن زُين له سوء عمله فرآه حسنًا؛ ولذلك لا تُرجى له توبة، بخلاف العاصي. وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة» رواه المنذري والطبراني وحسنه الألباني.
وأخطر البدع ما يتعلق منها بالعقيدة كالتكفير بالكبيرة عند الخوارج، وتأويل الأسماء والصفات عند الأشاعرة (كقولهم: استوى بمعنى استولى، والنزول بمعنى نزول الأمر، واليد بمعنى القدرة..
والقول بسقوط التكاليف والحلول والإتحاد وصرف العبادة للمقبورين عند الصوفية، وتقديم العقل على النقل عند المعتزلة، والقول بعصمة الأئمة وسب وتكفير الصحابة عند الشيعة. فالمبتدع عند التهانوي: من خالف أهل السنة اعتقادًا، والمبتدعون يسمون بأهل البدع وأهل الأهواء.
وإذا كان إيراد قول أو فعل لم يستن قائلها ولا فاعلها فيه بصاحب الشريعة يُعد بدعة وضلالة، فقد اعترض البعض على إطلاق ذم البدعة، ووصف بعض البدع بالحسن واحتج على ذلك بقول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب في قيام رمضان «نعمت البدعة هذه.
والرد على ذلك من وجوه، منها أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى بالرجال والنساء لبضع ليال، ولكن خشية أن تُفرض عليهم امتنع، فلما مات صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي ، خرج عمر رضي الله عنه فرأى الرجل يصلي لنفسه، والرجل يصلي بصلاته الرجل، والرجل يصلي بصلاته الرهط، فجَمَعهم على أبي بن كعب، وقال مقالته هذه.
وعمر هو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بهم كما في الحديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » .
والبدعة قد تُحمل على المعنى اللغوي وهي الشيء المحدث والمخترع على غير مثال سابق، وتحتمل هنا الذم، قال تعالى: {قل ما كنت بدعا من الرسل} [الأحقاف: 9]، أي ما كنت أول من أُرسل، وقد كان قبلي رسل.
أما قول الله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} [الحديد: 27] ، فالمعنى: أحدثوها من تلقاء أنفسهم، يقول القرطبي: وذلك أنهم (النصارى) حملوا أنفسهم على المشقات في الامتناع عن المطعم والمشرب والنكاح والتعلق بالكهوف والصوامع، وذلك أن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي نفر قليل فترهبوا وتبتلوا «ولا رهبانية في الإسلام»، وإنما رهبانية الأمة في الجهاد في سبيل الله.
ولم يُفرق البعض بين العبادات والمعاملات، فرأى فريق أن يجمد على وسائل التطور الأولى، وابتدع آخرون ما لم يأذن به الله بزعم ملاحقة صور التحضر والتقدم، وحدث خلط كبير في المفاهيم، و كان الواجب أن يصطلح كل فريق على حقه، فالعبادات الأصل فيها المنع والحظر والتوقيف، أما المعاملات فالأصل فيها الإباحة إذا رُوعيت ضوابطها الكلية، فلا مانع من صناعة الطائرة وركوب السيارة، وبناء المستشفى والملجأ والمدرسة، وهذه الوسائل لما استُخدمت له، فإن استُخدمت في أمر صالح كانت صالحة، وإن استُخدمت في أمر فاسد كانت فاسدة.
أما العبادات كالصلاة وبر الوالدين والحجاب... فهي تؤخذ بلا زيادة ولا نقصان، سواء كنّا في القرن الأول أو في القرن المئة. ومن سمات هذه الدعوة المباركة التطور لا الرجوع للوراء، ويكون ذلك فيما يقبل التطور مع التمسك بالمعاني الإيمانية دون تغيير أو تبديل {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ} [يونس:15 ].
ولذلك قلنا: إن الإبتداع في الدين مذموم وكله ضلالة، ويشمل ذلك البدع الحقيقية والإضافية (وهي التي لها شائبتان: شائبة من الشرع، وشائبة من غيره. كالصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم عقب الأذان بصوت جهري والإحتفال برأس السنة الهجرية، والإسراء والمعراج) .
وقد أخطأ من قال: إن البدع الإضافية لا إنكار فيها، بل لابد من إنكارها لعموم النهي عن الابتداع في الدين، قال مالك - رحمه الله - : «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] ، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينا.
وقال الشافعي - رحمه الله - : من استحسن فقد شرع، وقد ورد عن عمر أنه قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.
وقال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم عليكم بالأمر العتيق.
وبالتالي فعلى كل من أراد أن يأتي بجديد في العقائد أو العبادات أن يسوق النص والدليل؛ إذ الفعل سُنّة والترك أيضًا سُنّة، طالما وُجد المقتضى وانتفى المانع، ولم يُفعل، كتركهم الأذان للعيدين، وتركهم تلاوة القرآن على الموتى، وتركهم تلاوة القرآن بصوت جهري قبل العصر والجمعة، فالترك هنا هو السُّنّة إذْ أنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا.
قال الحسن: إنما هلك من كان قبلكم حين تشعّبت بهم السُّبل وحادوا عن الطريق فتركوا الآثار، وقالوا في الدين برأيهم فضلّوا وأضلّوا
وسُئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة، فقال: صلِّ خلفه وعليه بدعته، وقال أيضًا : السُّنَّة - والذي لا إله إلاّ هو - بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السُّنَّة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقى، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا .
وقال: لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة ولا حجًا ولا عمرة حتى يدعها، وقال: صاحب البدعة لا يزداد اجتهادًا صيامًا وصلاة، إلاّ ازداد من الله بُعدًا. وقال: لا تُجالس صاحب بدعة؛ فإنه يُمرض قلبك .
وقال حسان بن عطية: ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلاّ نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة.
ففي السنن كفاية، وعلى من أراد أن يسُنّ للناس سنّة حسنة أن يدلهم على هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم ويظهر لهم الشرائع والشعائر ويحيي السنن التي اندرست وانطمست، لا أن يبتدع في دين الله ما ليس منه، لا معارضة بين إطلاق اللحىة وتقصير الثوب وبين ركوب الطائرة كما لا معارضة بين جلباب المرأة وبين تطور الدنيا، فنحن بحاجة لإقامة حضارة على منهاج النبوة وملاحقة معاني التطور والتقدم مع التمسك بما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإنتهاء عن الإبتداع في الدين ؛ إذ أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية.
ومن علامة البلاء أن يكون الرجل صاحب بدعة، لا يُرفع له عمل، ومن أعانه فقد أعان على هدم الإسلام، ومن زوّج كريمته منه فقد قطع رحمها. ولا يصل العبد إلى الله إلاّ بموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في شرائعه، ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الإقتداء يضل من حيث يظن أنه مهتد، وكل الطرق مسدودة إلاّ من طريقه صلى الله عليه وسلم، فاتبع طريق الهدى ولا يضرك قلّة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مقال لشيخى واستاذى الدكتور سعيد بن عبد العظيم حفظه الله المصدر : http://forum.merkaz.net/ | |
|